بيسي شماري: لا يوجد مخرج لهؤلاء المستبدين والطغاة
قالت بيسي شماري، إن الحرب بين إيران وإسرائيل ستمتد إلى دول أخرى، داعية الناس إلى أن يكونوا منظمين ليصبحوا قوة دافعة نحو تغيير في اتجاه حكم أفضل.
شهلا محمدي
مركز الأخبار ـ في اليوم العاشر من بدء الحرب الإسرائيلية الإيرانية، أصبحت الأوضاع في إيران أكثر تأزماً، وازدادت المناطق التي تعرضت للقصف الجوي الإسرائيلي.
لا يزال الناس محرومين من الوصول إلى الإنترنت، ولم تُنشر معلومات كثيرة حول ما يجري داخل المدن الإيرانية المختلفة، ولكن ما تم تداوله خلال الأيام الماضية يشير إلى أن حياة الناس في جميع المناطق قد تأثرت واضطربت بشكل كبير، حيث يواجه الشعب الإيراني الآن حرباً داخلية وأخرى عابرة للحدود، حيث شهدنا في الأيام الأخيرة اعتقالات واسعة النطاق وقمعاً في مختلف أنحاء البلاد.
قيّمت بيسي شماري، عضوة مجلس المنصة الديمقراطية الإيرانية، أسباب اندلاع الحرب بين إيران والقوات الإسرائيلية، مشيرةً إلى أن "هذه الأيام العشرة قد تكون حاسمة، تماماً كما كانت الأيام العشرة الأولى في الحرب العالمية الثانية"، مضيفةً "بالنظر إلى المئة عام الماضية وتشكُّل دولة الأمة، وإلى جهل شعوب المنطقة بعواقب هذا التشكُّل، يُطرح اليوم سؤال حول ما إذا كانت شعوب الشرق الأوسط مستعدة لمثل هذه التحولات في المنطقة، وهل تمتلك الوعي الكافي؟ وهل ترى في نفسها استعداداً للدخول في مفاوضات من أجل أن تكون لها كلمة في مستقبلها؟".
وأفادت أن الوثائق تُظهر أن تصميم الشرق الأوسط الجديد يتشكّل خطوةً بخطوة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، مشيرةً إلى أحداث أيلول/سبتمبر 2001 حتى تشرين الأول/أكتوبر 2023 وربيع الشعوب الذي أثّر على ست دول في المنطقة "بقيت دولتان فقط، إيران وتركيا، وفيما يتعلق بالأولى، شهدنا خلال الأشهر الماضية تطورات دبلوماسية كبيرة تمثلت في تصريحات ومبادرات متتالية، لكن لا بد من التأكيد أن هذه الحرب ليست حرباً بين دولتين فقط".
وأشارت إلى الاحتجاجات التي شهدها الداخل الإسرائيلي قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، مؤكدةً أن "في خضم الحروب تُنسى المطالب الشعبية والاحتجاجات الجماهيرية"، لافتةً إلى أنه "في إيران أيضاً، وقبل عشرة أيام، شهدنا أكثر من ثلاثة أسابيع من الاحتجاجات العامة المتصاعدة، تمثلت في إضرابات سائقي الشاحنات، احتجاجات المخابز، والعديد من الحركات الاحتجاجية التي شهدناها منذ عام 2019، وكان منعطفها الرئيسي بعد الأشهر الثلاثة الأولى من انتفاضة Jin Jiyan Azadî عام 2022، لقد كانت السلطة بحاجة إلى القمع، ورأينا مدى فظاعة ذلك القمع".
وأكدت أن هذين التاريخين المشار إليهما لا يدخلان ضمن إطار الحرب بين إيران والقوات الإسرائيلية، بل في إطار إعادة تصميم للشرق الأوسط، وهي ضرورية ومطلوبة للقرن المقبل، وعلى حد قولها فإن مفتاح هذا التغيير بدأ في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وهذه الأيام العشرة ستكون من وجهة نظرها حاسمة نحو تغييرات جذرية في الشرق الأوسط، وعلى رأسها إيران وتركيا.
وعن تأثير هذه الحرب على تركيا، قالت بيسي شماري "بالنظر إلى التحليل الدقيق الذي قدّمه القائد عبد الله أوجلان حول أوضاع الشرق الأوسط وتوزيع القوى القائم، والتصميم الجديد الذي طُرح في مرافعاته المتاحة للعامة منذ أكثر من ربع قرن، أعتقد أن منذ بدايات فرض سلطة الدولة القومية على الشرق الأوسط، كان هناك فهم عميق لهذا المسار في كل من إيران وتركيا، وهما من بين أكثر الدول استبداداً المتبقية بعد انهيار نظاميْن عالميين كبيرين، وأرى أن النظام التركي أدرك مبكراً هذه الحقيقة".
وتابعت قولها "استناداً إلى الوثائق التي تم تسريبها، فإن أحد أكثر الشخصيات الدبلوماسية والسياسية استبداداً وفاشية فيما يسمى "الدولة العميقة" بتركيا، أجرى قبل أكثر من عام لقاءات مع القائد أوجلان داخل سجن إمرالي، وقد تم التوصل خلال هذه اللقاءات إلى تفاهمات حول أن عهد الدولة-القومية قد بلغ نهايته، وذلك في إطار تفكيك حركة التحرر الكردستانية، وهو ما سبق أن أشرت إليه في هذا المنبر الإعلامي، وكلما مرّ الوقت، يزداد إدراكنا لحتمية هذه اللقاءات الدبلوماسية من أجل إنقاذ الشعوب من هيمنة قرن جديد من السلطوية".
وشددت على أنه "لا مخرج لهؤلاء المستبدين والطغاة، وقد تم اتخاذ القرار من الأعلى، فالقضية تتعلق بالنظام الاقتصادي السائد حالياً، حيث أن النيوليبرالية تسعى إلى تسهيل حركة رأس المال، وأن الحدود التي أنشأتها الدول القومية لم تعد ذات فائدة لهم ويجب الآن إزالتها".
وترى بيسي شماري أن هذه الحرب هي نتيجة فائض رأس المال "إن الحرب الاقتصادية التي رأينا بداياتها مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة من خلال الرسوم الجمركية توضح هذه المسألة، فهذه الحرب ليست مجرد قضية اقتصادية، ففي بداية الحربين العالميتين الأولى والثانية كان هناك فساد اقتصادي، أما اليوم فلدينا فائض في رأس المال الذي يجب أن يتحرك دون حواجز وحدود تعيق تدفقه، ولذلك فإن الدول القومية في منطقة الشرق الأوسط تُعد عائقاً".
وأشارت إلى التحركات الدبلوماسية التي قامت بها إيران ودول أخرى مثل تركيا في السابق خاصة في الأيام الأخيرة إن "هذه الحرب ليست بين إيران والقوات الإسرائيلية فحسب، بل هي جزء من إعادة تصميم للشرق الأوسط، حيث تلعب القوات الإسرائيلية دوراً في إعادة توجيه أهداف النظام المالي ورأس المال".
وعن المقارنة بين هذا العصر والعصور الماضية ونشوء الدولة-القومية في المنطقة، قالت "هل يمكن مقارنة القرن السياسي القادم بالقرن السياسي في عهد سايكس-بيكو؟ في ذلك الزمان، لم تكن الشعوب تدرك خطورة نموذج الدولة القومية، بل استقبلته بترحاب، باستثناء بعض القوميات التي قاومت مثل الشعب الكردي أو الأرمني، واللذين واجها إبادة جماعية تامة".
وأضافت "إلا أنني أرى هذا القرن قرن الوعي واليقظة الفكرية، حيث أعتقد أن القوميات قد استيقظت، وشهدنا كيف أن حادثة إحراق بائع متجول لنفسه في تونس فجّرت موجة من الحراك الشعبي، حيث نهض الشعب إلى الشوارع في عدة دول مطالبين بتغيير الحكم، ومع ذلك، كانت هناك يدٌ عليا، تلك اليد هي النظام الذي يفرض هيمنته على المنطقة الخصبة في الشرق الأوسط منذ مئات السنين من أجل ضمان مصالحه في مصادر الطاقة".
وأشارت إلى تجربة شعوب سوريا بالقول "نقطة التحول التي يمكن تسليط الضوء عليها هي سوريا، حيث وقعت أحداث عام 2011، والتي استمر صداها لنشهده في كانون الأول 2024 عندما وصل جهاديي هيئة تحرير الشام إلى الحكم، ورأينا خلال أقل من أسبوع كيف امتلكت القوميات رؤية للحرية، وصوتاً يُسمع، وكلمة يُعتدّ بها، تجربة الكونفدرالية الديمقراطية التي استمرت لأكثر من 13 سنة في سوريا، تُعد دليلاً على ازدياد وعي الشعوب".
وعن تجربة الشعب في شرق كردستان في تنظيم أنفسهم ذاتياً، قالت "في إيران، عندما أُرسلت صناديق الاقتراع الفارغة من شرق كردستان إلى المركز، بدأت منذ ذلك الوقت تشكيل اللجان المحلية، وهي لجان معنية بجمع المواد الغذائية وتوزيعها بشكل عادل بين الناس في ظل الحصار الاقتصادي، كما أنشئت لجان طبية وتعليمية واجتماعات شعبية، وكانت ثمرة هذه الجهود أولئك الذين ما زالوا في ساحة النضال حتى اليوم، واعتقد أن هذه التجربة تمثل نموذجاً جيداً لمجتمع إيران، لذلك يجب على الناس اليوم أن يشمّروا عن سواعدهم وأن يصبحوا قوة دافعة نحو التغيير من أجل حكم أفضل من خلال مشاركتهم المباشرة".
واعتبرت بيسي شماري دعم صوت السجون إحدى السبل الأخرى المهمة "صوت السجون حاضراً خلال الحملات المختلفة على مدار العامين الماضيين، بما في ذلك الحملات النشطة جداً التي أطلقتها منصة النساء العابرة للحدود، لطالما سعينا إلى لفت الانتباه إلى ضرورة سماع صوت السجناء".
وأشارت إلى أن "الشعوب الأخرى لم تستفد من الخط الفكري والثوري الذي نشأ في شرق كردستان، حيث في تلك الفترة كان الشعب الإيراني راضياً عن الحكم ولم تكن هناك احتجاجات، حيث فُرضت عليهم خدعة سياسية بدعم من بعض المحللين السياسيين، إلى أن انتهت حرب إيران والعراق ووقعت مجازر الثمانينات، مما أدى إلى وعي شعبي وبداية موجات احتجاجات نشهدها تقريباً كل عشر سنوات، غير أن مفهوم تكاثر الشجاعة ظهر بوضوح في مواجهة الكوارث الطبيعية، أما في شرق كردستان، فتعود جذور هذا التنظيم الشعبي إلى عام 1979، حيث تشكّلت لجان محلية في كل حادثة".
وفي ختام حديثها، توجّهت بيسي شماري إلى الشعب الإيراني بالقول "اظهروا شجاعتكم، يجب أن تُشكّل لجان الأحياء، فكل شخص يستطيع أن يكون جزءاً منها، بمعنى أننا قد لا نرى الاحتجاجات في الشوارع، لكننا سنرى روح الاتحاد في الأحياء، مما سيساهم في نضج سياسي حقيقي".